أنواع كارما
هناك
كارما فردي، وهناك كارما جماعي، وهناك كارما وطني، وهناك كارما خاص بجنس بشري
معيَّن. فالكارما الفردي أو الجماعي هو نتاج أفعال، واعية أو غير واعية، لفرد
أو مجموعة من الأفراد؛ وقد تراكمت هذه الأفعال على كرِّ الزمن وظهرت للوجود
في ظروف مؤاتية، بما يؤدي إلى نتائج مرئية، سواء في هذه الحياة أو في الحيوات
الآتيات4.
فهناك الكارما الذي جلبناه معنا من حياة سابقة، ونحن الآن نقوم باستنفاده، أو
على الأقل استنفاد جزء منه؛ وهناك الكارما الذي نخلقه في هذه الحياة وندفع
ثمنه أو نكافأ عليه في هذه الحياة نفسها؛ وهناك الكارما الذي ينتظر الظروف
المؤاتية للظهور في مستقبل قريب أو بعيد قد يمتد لعدة حيوات مستقبلية. وفي
الأدبيات الثيوصوفية هناك الكارما الصالح والكارما السيئ. ونقرأ في كتاب
نور على الدرب5
العبارة التالية: "أيها الراغب في فهم قوانين كارما، حاوِل قبل كل شيء أن
تتحرر منها. ولن تستطيع فعل ذلك إلا بتركيز انتباهك على ما لا يستطيع كارما
أن يؤثر به."
وكارما له
حساباته الدقيقة. فالكارما الفردي هو محصلة أو نتائج أفعال الإنسان الواعية
وغير الواعية. وبمقدار وعينا لأعمالنا تكون النتائج أثقل أو أخف. وكلما أمعن
الإنسان في غيِّه وجبت عليه الحياة مدة "أطول" ليستنفد جزءاً من هذا الكارما
الفردي المتراكم. وبعكس ما تقوله لنا التوراة فإن "طول العمر" ليس نعمة
إلهية، وإنما هو عبء على الروح؛ فكلما كان الكارما الفردي صالحاً قَصُرَت مدة
الحياة على الأرض. قد نندهش لذلك، ولكنه الحقيقة بذاتها. فالأطفال الذين
يموتون مبكراً يعودون للتجسُّد فوراً، بعكس الإنسان العادي، لأن الطفل لا
تكتمل لديه الفردية individuality قبل
بلوغه سن السابعة من العمر؛ فقبل هذه السن لا يتحمل أية مسؤولية أخلاقية،
وبالتالي ينتفي وجود كارما لديه، على الأقل في آخر حياة عاشها على كوكبنا
الأرضي. وفي دراساتنا هذه سنبحث عن "أوضاع" الموتى من الأطفال والمقتولين
والمنتحرين، لنبيِّن أن القوانين التي يخضعون لها تختلف عن القوانين التي
يخضع لها الإنسان البالغ الذي يموت ميتة طبيعية. وسنبحث ذلك في الفصل المتعلق
بالموت وديفاخان Devakhan، أو
ما تطلق عليه الديانات اسم "السماء".
والكارما الجماعي
هو محصلة أفكار وأعمال مجموعة كبيرة من البشر قد تمتد لتصير كارما وطنياً،
حيث يعاني أصحابه من الحروب والمجاعات والآلام، لأنهم في حياتهم السابقة
أوسعوا الشعوب الأخرى شروراً واضطهاداً عنصرياً وقومياً استعمارياً.
قد
يتساءل بعضهم عن "الصدفة" أو "الحظ" بنجاة أحدهم من سقوط طائرة، بينما يُقتَل
جميع ركابها. والحقيقة أن أفعال الأفراد أو المجموعة الموجودة أثناء هذه
الكارثة قد تراكمت على كرِّ السنين لتتركز من جديد وتجذب إليها بطريقة
"كارمية" تلك المجموعة من البشر لتعاني هذه الكارثة. ومن كان لديه كارما صالح
من بينهم سيعزو نجاته إلى "عناية الله"؛ ولكن الأمر مختلف تماماً. إذ إن
نواياه وأعماله الصالحة في حياته السابقة أدَّت إلى مساعدته "ملائكياً"، إذا
جاز المصطلح، ليبقى على قيد الحياة. والمثال الذي يتبادر إلى أذهاننا فوراً
هو كارثة السفينة تيتانيك.
*
إن
عودة الإنسان للتجسد عودة اختيارية نوعاً ما، ولكنها مشروطة بدائرة معينة من
الكارما. لذلك يولد الإنسان في بيئة ووطن وشروط تتعلق بالحياة السابقة التي
عاشها، من خلال الأشخاص الذين "كانوا" يحيطون به؛ وعاجلاً أم آجلاً، سيجد
الإنسان نفسه، بدون إرادة منه ومعرفة، وسط مجموعة من الناس، ذوي وجوه جديدة،
كان لها ارتباط معه في حيوات سابقات، لتقتسم وإياه المصير المنتظر.
والأديان لا تشذ
عن هذه القاعدة. وعندما يقوم أصحاب دين باضطهاد مجموعة من الناس من دين آخر
فإن المستقبل "يخبِّئ" لهم اضطهاداً مساوياً لما قاموا به؛ وهكذا دواليك، إلى
أن يتعلم الإنسان أن الأديان كلَّها منبثقة من جوهر واحد، وإله واحد، ولكن
بظروف وأشكال مختلفة. ولهذا ما إن ندرك أن "الآخر" جزء منَّا حتى نصبح
أحراراً من كارما، ونستيقن أن الولادة ضمن دين معين ليست إلا لاكتساب مزيد من
الخبرة والروحانية المتضمَّنة في هذا الدين. وعاجلاً أو آجلاً، سنولد ضمن
مجموعة تعتنق ديناً مغايراً للدين الذي كنا نؤمن به في حياة ماضية.
***
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق