الربح من مشاهدة الاعلانات

Wikipedia

نتائج البحث

الأربعاء، 16 مايو 2018

هل وصل الجسد البشري إلى أقصى قدراته الرياضية أم هناك المزيد؟

 



في  دورة الألعاب الأولمبية لهذا العام التي تقام الشهر الحالي في مدينة ريو دي جانيرو، كان أسرع رجل في العالم يوسين بولت -وهو عداء جامايكي يبلغ طوله 1.96 متر تقريبًا، حائز على ست ميداليات ذهبية، ويتميز بخطوات رشيقة وقوية مثل الغزالة- يحاول أن يحطم الرقم القياسي العالمي الذي حققه من قبل بزمن 9.58 ثوانٍ في سباق المئة متر.
ويعتقد بعض العلماء أنه إذا نجح في ذلك، يغلق سجل الأرقام القياسية إلى الأبد. فرغم أن عددًا لا يحصى من أساليب التدريب وتقنياته لا تنفك تدفع بحدود الرياضيين، ورغم أن السمات الجسدية مثل السرعة والقوة وغيرها قد تحسنت بوتيرة ثابتة منذ بدأ الإنسان في تسجيل هذه الأشياء ودراستها، فإن تباطؤ وتيرة تحطيم الأرقام القياسية الرياضية دفع الباحثين لافتراض أننا ربما نقترب من الحد الأقصى للقدرة الفسيولوجية للجسد البشري، وأن الإنجاز الرياضي يصل إلى حائط بيولوجي مسدود.
وببعض التفكير المنطقي، نجد أن هناك حدودًا للإنجاز الرياضي بطبيعة الحال؛ فما لم تحدث تعديلات جذرية في قوانين الفيزياء، لن يستطيع إنسان قَط الركض بسرعة الصوت. ومن الناحية الفسيولوجية، ثمة حدود على كمية الكالسيوم التي يمكنها أن تتدفق إلى الخلية العضلية لمساعدتها على الانقباض، وثمة حدود أيضًا على كمية الأكسجين التي تستطيع خلايا الدم الحمراء تدويرها في الجسم كله.
وفي هذا السياق، نشر مارك ديني -عالم الأحياء بجامعة ستانفورد، والمُوْلَع برياضة العدو- دراسة في عام 2008 تحاول تحديد ما إذا كانت هناك حدود مطلقة للسرعة التي يمكن أن تركض بها الحيوانات. ولفعل ذلك، قام بتحليل سجلات ثلاث رياضات سباق لها تواريخ توثيق طويلة: سباقات المضمار والميدان، وسباقات الخيول في الولايات المتحدة، إلى جانب سباق الكلاب السلوقية الإنجليزي.
وبالتخطيط البياني لأزمنة الفوز في السباقات حتى نهاية القرن العشرين، ومن خلال التحكم في عامل نمو التعداد السكاني للنوع الذي يدرسه، توصل ديني إلى أنه يوجد بالفعل حد يمكن التنبؤ به للزمن الذي يستغرقه نوع معين من الكائنات لاجتياز مسافة محددة. وفي الواقع، تُظهِر بياناته أن سباقات الخيول والكلاب، وبعض سباقات المضمار والميدان البشرية، يمكن أن تكون قد وصلت إلى هذا الحد بالفعل. ويقول ديني: "إننا نصل إلى مرحلة من ثبات المستوى بالتأكيد، ألق نظرةً فحسب على بيانات سباق الخيول، التي تضاهي في اعتقادي ما يحدث في حالة سباقات البشر؛ فلم يتحسن زمن الفوز ببطولة التاج الثلاثي منذ سبعينيات القرن العشرين، على الرغم من ملايين الدولارات التي تُنفَق في استيلاد سلالات أسرع من الخيول".
وكما يفسر ديني، يمكن أن يستمر استيلاد الخيول لتحسين سمة معينة، ولكن يصاحب ذلك أضرار فسيولوجية جانبية، فيقول: "يمكننا استيلاد حصان ليركض بسرعة أكبر من أي حصان آخر، أو لتكون لديه عضلات أقوى، ولكن حينها ستنكسر قوائمه. يبدو أننا قد استنفدنا تجميعة الجينات لخيول الثوروبريد". ويمكن أن نكون نحن التالين.
ومن الناحية الجينية، فخيول السباق مجموعة متجانسة بصورة خاصة؛ إذ إن كل خيول الثوروبريد تنحدر من ثلاثة خيول فقط جرى إحضارها إلى إنجلترا في القرنين السابع عشر والثامن عشر (وعدد أكبر قليلًا من "الخيول الأولى"). ولكن ديني يشير إلى أن عددًا من سباقات المضمار النسائية أصبحت السرعات فيها ثابتة أيضًا، إذ ثَم الكثير من الأرقام القياسية التي لم يتم تحطيمها منذ ثمانينيات القرن العشرين (حين، على حد قوله، اشتُبِه أن كثيرًا من المتسابِقات يتعاطين جرعات هائلة من المنشطات)، ويستشهد ديني بالرقم القياسي العالمي الذي حققته العداءة الماراثونية باولا رادكليف في عام 2003، بزمن 2:15:25 (ويُزعَم أنها لم تتعاطَ أية عقاقير لتحسين الأداء، بالرغم من وجود تحقيق) على أنه الرقم التقريبي الذي يتوقعه للسرعة القصوى في الماراثونات النسائية. أما ماراثون الرجال فربما لا تزال فيه مساحة صغيرة للتقدم. ويتوقع نموذج ديني أنه يمكن تحسين الرقم القياسي الحالي وهو 2:02:57 بحوالي ثلاث دقائق تقريبًا، وهو ما يتماشى مع المسعى الشهير للوصول إلى زمن الساعتين في ماراثون الرجال.
ويأمل بولت أن ينجح في تحطيم الرقم القياسي الذي يتوقعه الباحث لسباق المئة متر وهو 9.48 ثوانٍ. ولكن لسوء الحظ، وفقًا لديني، فربما يكون العداء -الذي أصبح أكبر سنًّا الآن- قد فوت الفرصة لذلك؛ إذ إنه كان متقدمًا بفارق واضح في السباق نصف النهائي في أولمبياد بكين 2008 عندما أبطأ قبل تخطي خط النهاية، ويقول ديني: "أعتقد لو أنه استمر في الركض بسرعته القصوى، كان سيضع رقمًا قياسيًّا عالميًّا لا يمكن تحطيمه على الإطلاق".
قد يطمئن بولت قليلًا إذا علم أنه بالنسبة لبيتر وياند، أستاذ الفسيولوجيا بجامعة ساوثرن ميثوديست وأحد الخبراء الرواد في دراسة بيولوجيا الأداء، فإن البشر لم يصلوا بعد إلى سقف قدرتهم الرياضية. ويفسر وياند وجهة نظره قائلًا إنه عند دراسة القدرة على التحمل، على سبيل المثال، فإن هناك طريقين لتحسينها: إما زيادة كمية الدم التي يضخها القلب، أو زيادة تركيز الأكسجين في الدم نفسه كما هو الحال في حالة تنشيط الدم. ويقول وياند: "لا أعتقد أننا قد وصلنا إلى حدودنا القصوى بعد، أعتقد أن الناس سيتوصلون إلى طرق لتحسين توصيل الأكسجين خلال الجسم، وسيعتصرون الجسد البشري للوصول إلى أداء أفضل، السؤال الوحيد هو هل ستُعد هذه الطرق قانونية أم لا".
ربما يكمن الحل للوصول إلى أداء رياضي أفضل في الميتوكوندريا، والتي يُطلَق عليها "محطة الطاقة" الخلوية التي تولد الطاقة باستخدام الأكسجين عن طريق دورة كريبس. وتمثل الميتوكوندريا في الشخص ذي اللياقة البدنية المتوسطة حوالي 2% من حجم كل خلية؛ وفي الرياضيين الذين يتدربون جيدًا تمثل 4%، أما في الطائر الطنان مفرط الحركة فالنسبة ترتفع إلى 40%، مما يعطي الأمل أن الخلايا الإنسانية يمكنها أن تتسع للمزيد من الميتوكوندريا، وبذلك تعزز القدرة الرياضية. ويضيف وياند: "بالطبع يوجد حد لا يمكن بعده أن تقحم المزيد من الميتوكوندريا في الخلية، ولكنني أعتقد أنه لا يزال هناك مساحة لذلك في الخلايا البشرية. لقد أصبحت الرياضة مجالًا عالميًّا ومربحًا واحترافيًّا، حتى إنه طالما لا يزال هناك نقود يمكن ربحها وشهرة يمكن تحقيقها، فسنستمر في رؤية المزيد من التحسن -من حيث علم الرياضة والمعدات– الذي سيؤدي إلى تحطيم الأرقام القياسية، ولكن ربما بوتيرة أقل".
ويقر وياند بأن أي تعديلات بيولوجية مستقبلية يمكنها أن تثير نفس المخاوف الأخلاقية والفلسفية التي تكتنف العقاقير المحسنة للأداء. ويتوقع وياند أنه "سيكون في غاية الصعوبة تحديد ما يجب أن يكون قانونيًّا وما يجب ألا يكون كذلك؛ فنحن نقول الآن إن التدريبات الرياضية والحمية الغذائية أمران جيدان، ولكن ماذا عن المكملات الغذائية؟".
ويضيف وياند أنه بالإضافة إلى ذلك، على الأرجح لن تتمكن الجماعات المسؤولة عن مراقبة الممارسات غير القانونية من مواكبة المحسِّنات البيولوجية والكيميائية الجديدة، التي يمكنها أن تدفع الأرقام القياسية قليلًا -أو ربما كثيرًا- إلى الأمام. ويقول: "سيتعين على سلطات مكافحة المنشطات أولًا أن تكتشف ما هي المواد الجديدة التي يتم استخدامها، ثم تعمل على تطوير وسيلة فحص أو اختبار لاكتشافها، وستظل دائمًا طرق اكتشاف المنشطات وقائمة الممنوعات تتخلف عن المواد الجديدة التي يجربها الناس".
قد لا يختفي الأسلوب المعتمد على تنشيط الدم، ولكن مستقبل تحطيم الأرقام القياسية يكمن على الأرجح في الجينوم البشري، سواء كان ذلك للأفضل أم للأسوأ. تسمح تكنولوجيا تعديل الجينات مثل "كريسبر-كاس 9" CRISPR-Cas9 الآن بتشغيل جينات محددة وإيقافها وإضافتها، وبذلك تضمن تقديم تعديلات جينية يمكنها أن تتمخض عن أي عدد من المميزات الرياضية، كما أنها -يحذرنا وياند- سيكون من المستحيل اكتشافها. يقول ديفيد إيبستاين، مؤلف كتاب "الجين الرياضي: داخل علم الأداء الرياضي الخارق"The Sports Gene: Inside the Science of Extraordinary Athletic Performanceالذي صدر في عام 2013: "أعتقد بقوة أننا سوف نرى أناسًا يجربون تكنولوجيا مثل "كريسبر" لإضافة جينات محددة لخدمة الأداء الرياضي. وأعتقد أن السبب الرئيسي في أنه لا أحد يقوم بهذا الآن هو أن هناك الكثير من الأشكال المتاحة والفعالة للمنشطات التقليدية، أي أنهم ليسوا بحاجة إلى الانتقال إلى المستوى التالي بعد".
يشير إيبستاين، الذي يستكشف كتابه حدود الأداء البشري، إلى أنه غالبًا ما يتم تجاهل المخاوف القائمة المحيطة بتكنولوجيا "كريسبر"، نظرًا لما تتسم به الشفرة الجينية من تعقيد، وأننا حتى هذه اللحظة لا نعلم حقًّا وظيفة معظم الجينات. ومع ذلك، وكما ذكر في كتابه، ثمة أمثلة على متغيرات جينية تؤدي إلى تحسين الأداء الرياضي.
ومن بين هذه الحالات حالة أسطورة التزلج الفنلندي ييرو مانتيرانتا، الذي تُوِّج بسبع ميداليات أولمبية وحظي بنجاح ساحق خلال ستينيات القرن العشرين، وكان يُفترض على نطاق واسع أنه يتعاطى المنشطات. وبعد سنوات، كشفت دراسة جينية أُجريت على مانتيرانتا وعائلته أنه يحمل جينًا يعمل على زيادة كتلة خلايا الدم الحمراء زيادة هائلة، وكذلك مستويات الهيموجلوبين، وهو الجزيء الذي يحمل الأكسجين فى الدم. ويستشهد إيبستاين كذلك بما يُعرف باسم "الطفل الخارق"، وهو طفل مفتول العضلات بشكل مخيف وُلِدَ في برلين عام 1999، إذ إن الطفل، الذي أصبح الآن مراهقًا، لديه طفرة جينية تمنع إنتاج المايوستاتين، وهو بروتين يحد من النمو المفرط للعضلات.
وبغض النظر عن الأفراد المحظوظين، ماذا سيحل باهتمام العامة بالمسابقات إذا كنا نقترب من فترة ثبات في مستوى الأداء؛ فترة يستمر فيها تحطيم الأرقام القياسية -ربما بمساعدة التلاعب الجيني الذي تحيط به الشبهات الأخلاقية- ولكن ربما بمعدل أبطأ كثيرًا؟ هل سيستمر الناس في مشاهدة المسابقات والاهتمام بها عندما لا يكون هناك المزيد من الأرقام القياسية لتحطيمها؟
لا يشغل هذا الأمر اهتمام ديني كثيرًا، إذ يتذكر قائلًا: "عندما نشرت ورقتي البحثية، كان رد الفعل الذي تلقيته هو أن هذا من شأنه أن يدمر الألعاب الأولمبية. وهذا بالضبط كالقول إن فريق كرة القدم البرازيلي الذي لعب عام 1962 كان الأفضل على الإطلاق، ومن ثَم فلن يشاهد أحد كأس العالم مرة أخرى. ولكن إذا استطاع بولت أن يجتاز سباق المئة متر في 9.47 ثوانٍ، ويثبت خطأ توقعي، فسأرفع له القبعة احترامًا. وأعتقد أنه سوف يكون هناك دائمًا إغراء فكرة ’ربما يأتي شخص ما ويقدم أداءً أفضل‘".
يرى كل من ديني وإيبستاين أن هذا الأمر ينطبق بصورة خاصة على الرياضات الأكثر تعقيدًا، التي بها يمكن لأي عدد من المتغيرات أن يسهم في النجاح، والتي يصعب فيها تعريف "الأداء الأفضل" بشكل موضوعي. فعلى سبيل المثال، يجب أن تتضافر الكثير من العوامل من أجل أن يفوز فريق ما ببطولة كرة السلة أو ببطولة "سوبر بول" لكرة القدم الأمريكية، وتحرص الروابط الرياضية على تغيير القواعد باستمرار لجذب اهتمام العامة، وهي بذلك تخلق معايير جديدة للقدرات الرياضية. فيقول ديني: "لم يتم تطبيق قاعدة خط الرمية الثلاثية في كرة السلة حتى عام 1979"، وغياب هذه القاعدة يدفع المرء للتساؤل عما إذا كان اللاعب الأسطوري الحالي ستيفن كاري -والذي يبلغ سجل النقاط الثلاثية الخاص به في الموسم الواحد 402 نقطة، بتفوق مذهل على الرقم السابق، والذي كان هو أيضًا مَن حققه، 286 نقطة- سيلقى نفس الاستحسان والإعجاب الذي استحقه عن جدارة بعد تغيير قواعد اللعبة، لو أنه وُجِد في زمن آخر".
ويضيف ديني مازحًا: "إن الرابطة الوطنية لكرة السلة الأمريكية وجميع الروابط الرياضية في العالم تعلم ما تفعله جيدًا، وسيظل الناس يتجادلون حول الرياضة في الحانات وهم يشربون الجعة لعقود قادمة".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق