الربح من مشاهدة الاعلانات

Wikipedia

نتائج البحث

الخميس، 22 سبتمبر 2016


سلسلة المذكرات التربوية التوجيهية 2  
فن التعامل مع الناس  
 عبدالرحمن بن فؤاد الجار الله 
Page Breakفن التعامل مع الناس 


 الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين... 
أما بعد:  
فلما كانت الدعوة إلى الله عز وجل تحتاج من الداعية حسن التعامل والسياسة مع من يتعامل معه؛ لذلك اعتنت المؤسسات التربوية بهذا الموضوع وقدمته للمنتمين إليها, تحت عنوانين عدة تندرج ضمن هذا الموضوع , وكان أصل هذا الموضوع دورة ألقيت على مجموعة من الطلاب . 
وكان من فضل الله علي أن يسر لي نسخة من مادة الدورة فقمت بكتابتها والإضافة عليها وترتيبها أسأل الله أن يجعل عملي خالصا لوجهه الكريم. إنه جواد كريم.وبعد: 
فإن موضوع فن التعامل مع الإنسان - كبيرٌ جداً - تعتني به كل الشعوب في العالم ومن بينها الشعوب الإسلامية . 
ولدى الغربيين معاهد خاصةٌ يُدرَّسُ فيها ما يسمى بالمهارات الاجتماعية. كيف يتحدث الإنسان؟ كيف يكسب الثقة بنفسه؟ كيف يكون لبِقاً في الحديث مع الناس؟. والإسلام فيه الكثير من كنوز الآداب ,ومنها آداب التعامل ,وقد أُعطينا القدوة من الأنبياء وخاتمهم رسول الله عليهم الصلاة والسلام جميعاً. 
ولكن المسلمين لم يستطيعوا أن يستفيدوا منها ولم يتجاوزوا حتى الآن مرحلة التنظير (مرحلة الفكر) يقال: من آداب الصحبة كذا, ومن آداب العشرة كذا, ومن آداب الحديث كذا. وقليلٌ من الناس من يتدرب ويُدرِّب قومه. فليس هناك تدريبٌ عملي إلا نادراً فالقالب هو التعليم وليس التربية, والتدريب العملي هو المطلوب  1 .وهو محور الكلام في هذا البحث: 


عناصر البحث: 
  • اختلاف الطباع وأساليب التعامل . 
  • التعامل مع الإنسان . 
  • الدوافع التي تحرك المسلم إلى حسن التعامل . 
  • قواعد ثابتة في التعامل . 
  • الطُعم المناسب هو الذي يصطاد السمك. 
  • كيف تكسب الآخرين وتؤثر في الناس ؟ (أساليب التعامل). 
  • خاتمة. 







أولاً:اختلاف الطباع وأساليب التعامل: 
الناس منذ خلقهم الله وهم مختلفوا الطبائع والرغبات والميول. روى مسلم عن أبي هريرة [Symbol] عن النبي [Symbol] قال:"الناس معادن كمعادن الفضة والذهب, خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا, والأرواح جنودٌ مجندةٌ, فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف" 2. 




وعن أبي موسى الأشعري [Symbol] أن الرسول [Symbol] قال:"إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض, فجاء بنو آدم على قدر الأرض, فجاء منهم الأحمر والأبيض والأسود وبين ذلك, والسهل والحزن والخبيث والطيب" 3. 

وتمثل بعض الشعراء بهذا المعنى, فقال: 
الناس كالأرض ومنها هُُمُ *** فمن خَشنِ الطبع ومن ليِّنِ 
فجنـدلٌ تدمـى بـه أرجـلٌ *** وإثـمدٌ يـُوضـع في الأعـينِ 
ويُعلم بداهةً أن معاملة هذه الاختلافات معاملةً واحدةً لا يستقيم. فما يلائم هذا لا يناسب ذاك، وما يحسُنُ مع هذا لا يجمل مع غيره. لذا قيل:(خاطبوا الناس على قدر عقولهم ).  




فكان شأنه [Symbol] في تربية أصحابه وتعليمهم أن يراعي أحوال من يتعامل معهم وينزل الناس منازلهم.ففي فتح مكة أمر الرسول[Symbol] المنادي أن يعلن في الناس أن من دخل المسجد الحرام فهو آمن, ومن دخل بيته فهو آمن, ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن..., ألا ترى أن دار أبي سفيان لم يكن لها ما يميزها عن دُور أهل مكة, وأن دخول هذه الدار أو غيرها سيّان ؟. 
ومنها توزيعه [Symbol] بعض أموال الغنائم والفيء على أناسٍ دون أناس.وكذلك تقسيمه الأعمال والمهام على أصحابه كُلٌّ بحسبه، فما أوكل إلى حسان غير ما أوكل إلى معاذ ويصح ذلك مع أبي بكر وعمر و صهيب وخالد وبقية الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين. 
إنها المعرفة بنفسيات الناس وما يطيقون وما يحبون ,ومعرفة الدخول إلى قلوبهم 4 . 







ثانياً:التعامل مع الإنسان: 
الإنسان كما هو معلومٌ مكونٌ من عدة قضايا ,فهو ليس آلةً من الآلات, وإنما هو إنسانٌ بروحه وجسمه وعقله ومشاعره وهو محتاجٌ لتغذية هذه الأمور كلها .وبعض الناس يخطئون عندما يتعاملون مع الإنسان في الجانب الدعوي مثلاً: إذ يتعاملون مع الفكر فقط أو الفعل فقط دون أن يهتموا بمشاعر الإنسان الذي يتعاملون معه. كأصحاب المصانع الذين يتعاملون مع الجسم: كم ينتج ؟ كم ساعة يعمل ؟, ويهملون جانب الفكر وجانب العقل وجانب المشاعر. 
كثيرٌ من الناس يهملون جوانب وقضايا من قضايا التعامل مع الإنسان, ولكن لابد من التركيز عليها كاملةً حتى يكون التعامل مع الإنسان شاملاً ومؤثراً. هذا التعامل الذي أكتب عنه يختلف الأثر الناتج عنه بحسب محتوى الكلام, أو طريقة الكلام, أو السلوك المصاحب للكلام, فقد يقول إنسانٌ كلاماً معيناً تحس منه أن هذا الإنسان يقوله من قلبه, وآخر يقول الكلام نفسه غير أنك تحس أنه يقوله من فمه . شخصٌ يقول: جزاك الله خيراً. وثانٍ يقول: الله يجزيك الخير  5. وثالثٌ يقول: جزاك الله خيراً 6.  
فستشعر أن الثاني والثالث يقولان الكلمة من قلبيهما, وهذا يحتاج إلى تدريبٍ و إلى ممارسةٍ, فإنسان يكلمك وهو ينظر إليك فـهو 
يحترمك ويقدرك, فهذا يختلف عن إنسانٍ يكلمك وهو ينظر إلى ورقة أمامه أو إلى مكان آخر, حتى إذا سكت عن الحوار قال لك:تفضل أكمل وهو ينظر إلى الأرض مثلاً. إن هذا غير مهتمٍ بك.  








تلك أمثلةٌ متعلقةٌ بالسلوك المصاحب للكلام 7. 
وهناك أمثلةٌ تتعلق بمحتوى الكلام أو طريقته أو كيفية التعامل العملي مع الناس تأتي ـ إن شاء الله ـ ضمن البحث والمهم أن يتم التدريب العملي على كيفية التعامل. 

ثالثاً:الدوافع التي تُحرِّك المسلم إلى حُسنِ التعامل: 
أولاً: أن يكون من خير الناس أو خيرهم: 
فالمسلم يبحث عن رضا الله ومحبته, وأن تتحقق الخيرية في نفسه ويكون من خير الناس أو خيرهم.يقول الرسول [Symbol] :"خير الناس أحسنهم خُلُقاً" 8 فالمسلم لايُحسِّنُ خلقه ليكسب مصلحة,إنما لكسب رضا الله عز وجل, وهنا تستمر الأخلاق سواءاً رضي الناس أم لم يرضوا , تحسنت العلاقة أم لم تتحسن , كسب الود أم لم يكسب ,فالأجر ثابتٌ على أيَّة حالٍ, وهذا هو ضمان الاستمرارية. ويقول[Symbol] :" إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجات قائم الليل وصائم النهار " 9 ,ويقول الرسول [Symbol] :"المؤمن يألف ويؤلف  ولاخير فيمن لا يألف ولا يؤلف , وخير الناس أنفعهم للناس " 10 . 
ثانياً: الأخلاق الحسنة مأمورٌ بها : 
 إن الله سبحانه وتعالى أمرنا أن نلتزم الحكمة في التعامل مع الناس وهذا عينُ العقل. يقول الله عز وجل: "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين ". 
والموعظة الحسنة هي محتوى الكلام الذي يدعو إلى شيء طيب .  
وقد وصف الله تعالى رسوله [Symbol] بأنه ليِّن الجانب, وهو إن لم يكن كذلك لخسر الناس ولانفضوا من حوله وهم الصحابة [Symbol] وهو الرسول[Symbol] ,فلم يقل [Symbol] من أراد فليأت ,ومن لم يرد فلا يهمنا أمره,إنما كان حريصاً عليهم. يقول تعالى:"فبما رحمةٍ من الله لنت لهم ولو كنت فضاً غليظ القلب لانفضوا من حولك". أي لو كنت يامحمد يا رسول الله فضاً غليظ القلب لا نفضوا من حولك "فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر " فإن من وسائل المعاملة الحسنة: أن تعفو عنهم, وتستغفر لهم. أي: أن تتجاوز عن الأخطاء وتغض الطرف عنها وتستغفر لهم. فتلك وسيلةٌ من وسائل تشجيعهم وتنمية السلوك الطيب فيهم. وتشاورهم في الأمر أي: تحترم رأيهم وتقدرهم وتعطيهم شيئاً من القيمة عندما تتعامل معهم, فما أسهل الناس وأنت تشاورهم, وما أقربهم منك وأنت تقدرهم. يقول ميمون بن مهران:"التودد إلى الناس نصف العقل " فالذي يتودد إلى الناس يعتبر مسلكه هذا نصف العقل ولكن بشرط أن يكون ودوداً وعاقلاً 11. 

رابعاً:قواعد ثابتة في التعامل: 
هناك قواعد ثابتةٌ ومشتركةٌ بين كل شعوب العالم وهي تنطلق من الفطرة, يستوي التعامل فيها مع المسلم وغيره لنتعلم هذه القواعد أو بعضها حتى نمارسها عملياً وقد تمتد تلك الممارسة إلى سنواتٍ حتى نتخلص من طبع سيءٍ يكرهه الناس, أو نكتسب طبعاً طيباً يحبه الناس فمن هذه القواعد المشتركة: 
1ـ أن حديثنا وموضوعنا عن التعامل مع الأسوياء من الناس, أما الشواذ فتكون لهم معالجة فردية. فالسويُّ من إذا أكرمته عرف المعروف, والشاذ من يتمرد إذا أنت أكرمته. 
إذا أنت أكرمت الكريم ملكته  ***   وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا 
2ـ تختلف طريقة التعامل تبعاً لاختلاف العلاقة: الوالد مع ولده, الزوج مع زوجته, الرئيس مع مرؤوسه, والعكس. 
3ـ أن التعامل يتغير باختلاف الأفهام والعقول. فالرجل الذكي الفاهم الواعي تختلف طريقة تعامله عن الشخص الآخر المحدود العقل المحدود الفهم المحدود العلم, فالحديث معه يكون مناسباً لطبيعته وقدرته على الفهم. 
4ـ يختلف أسلوب التعامل أيضا باختلاف الشخصية. فطريقة التعامل من شخص شكَّاكٍ وحسَّاسٍ تختلف عنها مع شخصٍ سويٍّ, فالطريقة تختلف باختلاف الشخصيات والصفات التي تكون بارزةً فيهم. 

 خامساً: الطُعم المناسب هو الذي يصطاد السمك: 
يقول المؤلف دايل كارنيجي:"من هواياتي أن اصطاد السمك, وبمقدوري أن أجعل الطُعم الذي أثبته في السنارة أفخر أنواع الأطعمة, لكني أفضل استعمالي طعوم الديدان على الدوام, ذلك أنني لا أخضع في انتقاء الطعوم إلى رغبتي الخاصة, فالسمك هو الذي سيلتهم الطُعم... وهو يفضل الديدان فإذا أردت اصطياده قدَّمت له مايرغب فيه . 
والآن . لماذا لا نجرب الطُعُومَ مع الناس ؟ 
لقد سئل لويد جورج السياسي البريطاني الداهية, عما أبقاه في دفَّة الحكم مع أن معاصريه من رجال الدول الأوربية الأخرى لم يستطيعوا الصمود مثله, فقال: ( إنني أُلائم بين ما أضعه في السنارة وبين نوع السمك ). 
والواقع أن "الطُعم" هذا مهمٌ للغاية..ذلك أن علاقتك مع الآخرين تُهمهم أيضا بقدر ما تهمك أنت, فحين تتحدث إليهم حاول أن تنظر بعيونهم, وتعبر عما في نفسك من زاويتهم وبمعنى آخر أبدِ لهم اهتمامك بهم , أكثر من اهتمامك بمصلحتك الشخصية, اجعلهم يتحمسون لما تريد منهم أن يفعلوه عن طريق اتخاذ الموقف من جانبهم " 12 . 




سادساً:أساليب التعامل مع الناس : 
 في هذا العنصر أتطرق إلى بعض القضايا التي يحبها الناس وبعض القضايا التي يكرهونها, وتؤثر فيهم سلباً و إيجاباً وهذه الأساليب تجارب ناجحةٌ, لأن قدوتنا فيها هو نبينا عليه أفضل الصلاة والسلام . وهذه الأساليب لها شواهد من السنة ومن الواقع المُجرَّب أذكر منها مايناسب, فمنها: 






1ـ الناس يكرهون النصيحة في العلن : 
لا يختلف اثنان في أن النصيحة في العلن يكرهها الناس, لأن كل الناس يكرهون أن تبرز عيوبهم أمام غيرهم, كل الناس مسلمهم وكافرهم. ولكن أخذ الفرد ونصحه على انفراد أدعى للقبول وأدعى لفهم المسألة . 

2ـ لا تلُم أحداً عساكَ ألاّ تُلام ( لا تُكثر من لوم الناس ): 
الناس يكرهون من يؤنب ويوبّخ في غير محل التأنيب ومن غير تأنٍ ودون السؤال والاستفسار, بل من الخطأ أن يتمادى الإنسان في التأنيب بعد أن يعتذر صاحبه ومن يتحدث معه فالناس جميعاً ومنهم نحن عاطفيون أولاً, ثم أصحاب منطقٍ وعقولٍ في الدرجة الثانية إن لنا نفوساً ذات مشاعر وأهواء, وهي تريد من الآخرين أن يحترموها كما هي. فلماذا تحاول مناقضة نفوس الآخرين, بينما تعرف أن نفوسنا من نفس النوع ؟ إن اللوم والتأنيب مُرُّ المذاق ثقيلٌ على النفس البشرية فحاول تجنبه حتى تكسب حُبَّ غيرك. 



3ـ من الحكمة أن تُسلم بخطئك حين تخطيء: 


إن الاعتراف بالخطأ يزيل التحامل الذي يمكن أن يتولد في صدر الخصم أولاً, ومن ثم يخفف أثر الخطأ ثانياً...فحين ترى أنك على خطأٍ اعمد إلى التسليم به, وهو كفيلٌ بأن يجعل الخصم يقف منك موقف الرحيم السريع العفو, وعلى العكس من ذلك إذا أصررت على الدفاع عن خطئك. وقديماً قيل :"المقر بذنبه كمن لا ذنب له". 

4ـ إيَّاك والأنا : 
الناس يكرهون دائماً من ينسب الفضل لنفسه, فإذا حدث إخفاقٌ ألقى بالتبعة على الآخرين وإذا حدث نجاحٌ نسبه لنفسه.جاء في بحثٍ إحصائيٍ قامت به مصلحة التليفونات في نيويورك: أنَّ كلمة (أنا) هي أكثر كلمةٍ ترِّن بها أسلاك شبكتها التليفونية. ومعنى ذلك أن اهتمام الناس كُلٌّ بنفسه, هو الصفة المسيطرة على البشر, فإذا كنت تهتم بنفسك أولاً, ولا تحاول اجتذاب الآخرين بالاهتمام بهم, فكيف تنتظر منهم أن يهتموا بك إذن؟. 


5 ـ لا تُركِّز على السلبيات دون الحسنات:  
خذ مثالاً: علاقة المرأة المسلمة بزوجها المسلم, والتي يمكن أن يُعممَ مغزاها في كل قضايا التعامل، يقول [Symbol]:"لا يَفْرَكْ مؤمنٌ مؤمنةً إن كره منها خلقاً رضي منها آخر" 13. فما أحدٌ يسلم من العيوب فلا زوجة بلا عيوب, ولا صديق بلا عيوب, ولا رئيس ولا مرؤوس, يقول سعيد بن المسيب:"ليس من شريفٍ ولا عالمٍ ولا ذي فضلٍ إلا فيه عيب, ولكن من الناس من لاينبغي أن تُذكر عيوبه " فمن كان فضله أكثر من نقصه ذهب نقصه لفضله, ولاتذكر عيوب أهل الفضل تقديراً لهم. 
وكم من الناس ننقدهم فإذا رأينا غيرهم حمدناهم.  
بكيت من عمروٍ فلما تركته  ***  وجربت أقواماً بكيت على عمرو  

والرسول [Symbol] يعطينا المثل فيذكِّرُ بفضل الأنصار, لأن البشر بطبعهم ينسون الحسنات. فقد أخرج البخاري قوله[Symbol]:"أوصيكم الأنصار فإنهم كرشي وعيبتي (يعني بطانتي وخاصتي ), فقد قضوا الذي عليهم (يقصد أنهم وفوا بما تعهدوا به في بيعة العقبة), وبقي الذي لهم ، فاقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم " 14. إن هذا قمة الإنسانية والعدل . 

6ـ الناس يكرهون من لا ينسى الزلات: 
الناس يبغضون من لاينسى زلاتهم ولايزال يُذَكِّر بها ويمُنّ على من عفا عنه, فالناس يكرهون ذلك الإنسان الذي يُذَكِّرُ الناس بأخطائهم ويعيدها عليهم مرةً بعد مرةٍ. والله عز وجل يقول:"والعافين عن الناس". ويقول الرسول [Symbol] :"من ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة " 15 فالذي يذكر ويعيد الخطأ يكره الناس الاجتماع به والارتياح إليه . 

7ـ احذر من النقد المباشر: 
الانتقاد لايحتاج إلى موهبةٍ خاصةٍ أو بذل نشاطٍ كبيرٍ, ففي وسع أي أحمقٍ أن يُشنِّع على رجلٍ ذي عبقرية وتميزٍ وأن يتهمه ويسخر منه. دعنا نحاول أن نفهم الأخرين ونتلمس لهم الأعذار حين تقصيرهم فهذا أمتع من النقد المباشر. فطبيعة البشر تأبى ذلك. نعم, قد ينفذ الشخص المنتقد المطلوب منه ولو كان الأسلوب مباشر وبنقدٍ حادٍ, ولكن لو كانت الطريقة ألطف كان ذلك أدعى للقبول. ولنا في رسول الله [Symbol] أسوةً حسنةً, ومن ذلك ما ورد في قصة القوم الفقراء والذين جاؤوا وكانوا كلهم من مُضَر, وتأثر الرسول [Symbol] لما لهم من الفقر فقام وخطب الناس, ثم قال:"تصدق رجلٌ من ديناره, من درهمه, من ثوبه, من صاع تمره" 16. ولم يقل تصدقوا ولم يعاتبهم على عدم الصدقة, فانظر النتيجة: جاء رجلٌ من الأنصار بِصُرّة كادت تعجز يده عن حملها , بل عجزت, وقدمها للرسول[Symbol] فاستهل وجهه وقام الناس وتصدقوا فأصبح عنده كومة من الصدقات ,وفرح الرسول [Symbol] فقال :" من سَنَّ في الإسلام سُنةً حسنةً ..." الحديث 17. وهكذا . فاحذر من النقد المباشر الذي لاتكسب منه سوى إيغار الصدور . 

8ـ الفت النظر إلى الأخطاء تلميحاً وبكُلِّ لباقةٍ: 
أنت وأنا والناس جميعا يكرهون أن ينتقدهم غيرهم إلا أننا جميعاً كثيراً ما نفعل أفعالاً تستدعي الانتقاد , فإذا وددت انتقاد الغير وكان هناك موجبٌ حقيقيٌ لذلك ,فكيف نفعل ؟.   
لنا في رسول الله [Symbol] وسلم قدوةً حسنةً, حينما قال لعبدالله بن عمر[Symbol]:"نعم الرجل عبد الله لو كان يقوم من الليل " فنجد أن الرسول [Symbol] عالج الخطأ بكل لباقةٍ بل وقدم المدح والثناء قبل لفت النظر إلى الخطأ. 
إن المقصود بالانتقاد والتوجيه هو إصلاح الغير مع ضمان عدم إثارة البغضاء في قلبه, ولهذا كان على المنتقد أن يلجأ إلى التلميح بما يراه ناقصاً, ولكن من طرفٍ خفيٍ. 

 9ـ تكلَّم عن أخطائك أولاً, وقدٍّم اقتراحات مهذبة: 
إن افعل هذا، ولا تفعل ذاك لا تعطي نتيجةً طيبةً كقولك : (أليس من الأفضل أن تفعل هذا ؟) أو (أليس من الأفضل أن لا تفعل ذاك ؟) ذلك أن الأمر الجازم صعبٌ على النفس أن تتقبله, وحتى لو تقبله الرجل الذي توجه إليه الأمر فإن توجيهك ذلك له يُبقي في نفسه جرحاً غائراً يطول قبل أن يندمل , أما الاقتراح (المهذب) فهو مستساغٌ لا يشعر المرء تجاهه بغضاضةٍ فينفذه راضياً محتفضاً بعزته وتقدير نفسه. 
قبل بضع سنوات, قرَّرَ مجلس إدارة شركة (جنرال إلكتريك) إقالة رئيس قسم الحسابات في الشركة وكان مهندساً كهربائياً عبقرياً طالما انتفعت به الشركة, لكنه لم ينجح في إدارة قسم الحسابات أيَّ نجاحٍ, وكانت الشركة تقدر للرجل فضله لكن تود كفَّ يده عن قسمٍ حيويٍّ فيها, فكيف تبلغه ذلك؟. 
لقد اخترعت له منصب " المهندس المستشار للشركة وجعلته عليه ثم سلمت إدارة القسم لشخصٍ آخر... فحاول دائماً أن تحفظ ماء وجه الآخرين. 

10ـ لا تعامل الناس باستعلاء:  
الناس يكرهون من يعاملهم باحتقارٍ و استعلاءٍ مهما كان هذا الإنسان. روى هارون بن عبد الله الجمال, فقال: ( جاءني أحمد بن حنبل بالليل ـ انظروا كيف يكون التصرف يريد أن يصحح خطأً! ـ، فدقَّ علي الباب، فقلت: من هذا ؟ فقال: أنا أحمد،  ـ لم يقل: الشيخ أحمد ـ فبادرت وخرجت إليه فمساني و مسِّيته. فقلت: حاجة أبي عبد الله ؟ ( أي: ما حاجتك ؟), قال: شغلت اليوم قلبي. فقلت: بماذا يا أبا عبد الله ؟, قال: جُزتُ عليك اليوم وأنت قاعدٌ تُحدِّث الناس في الفيء (الظل) والناس في الشمس بأيديهم الأقلام والدفاتر. لا تفعل مرة أخرى، إذا قعدت فاقعد مع الناس). انظر كيف كانت النصيحة والذي يرويها ليس الإمام وإنما ذلكم الشخص المتأثر بالنصيحة!. 

11ـ احترم آراء الآخرين، ولا تقُل لأحدٍ: أنت مخطئ: 
حين تبدأ كلامك مع رجلٍ بأن تقول له: (( أنت مخطئ )) أو(( اسمع يا هذا: سأثبت بطلان ما تقول))، أو باللهجة العامية: ((ما عندك سالفة )), أتدري أنك في تلك اللحظة تعني: أنك أيها الرجل تعوزك براعتي و ينقصك ذكائي، قف أمامي ذليلاً لكي أدلك على الطريق الذي بلغه ذهني المتوقد وحكمتي الأصيلة؟ هذا هو المعنى بالضبط... فهل تقبل بأن يوجه إليك أحدٌ مثل هذا القول ؟ كلا طبعاً . إذن, فلماذا توجهه إلى الآخرين ؟ . 
قال اللورد شستر فيلد في رسالته إلى ولده: (( يابني... كُن أحكم الناس إذا استطعت، ولكن لا تحاول أن تقول لهم ذلك )). فلماذا يسارع الواحد منا بنشر التأكيد والجزم وحتى في أمورٍ غامضةٍ، لمجرد الادعاء بالعلم، أو مناكفة الغير، أفتظن أن قولك:   (( أنت مخطئ )) سيوصلك إلى نتيجةٍ مع من تحدثه بنفس القدر الذي يوصلك إليه قولك: (( قد أكون أنا مخطئا ))، فلنفتش عن الحقيقة. إن إقرارك باحتمال أن قولك غير مصيب لا يُضعف موقفك كما قد يُخيلُ إليك، فالسامعون يتأثرون بك وبنزاهتك وحبك للإنصاف ، أما من قابلته مباشرة بتخطئته فيصعب عليك إقناعه بالخطأ بعد ذلك, فهذه طبيعة النفس البشرية فهي تتأثر  انعكاساً . فاحترم آراء الغير مهما كانت وصغرت, يحبك الناس ويتأثرون بشخصك, وأكبر دليلٍ على ذلك صبره  على جفاء الأعراب حين يخاطبوه, يدخل الرجل منهم مغضباً ويخرج وأسارير الرضا على وجهه . 

  •  تقدير عواطف الآخرين وعدم جرح مشاعرهم ): 
روى ابن إسحاق عن ابن عباس:[Symbol]أن النبي [Symbol] قال لأصحابه: ( إني قد عرفت أن رجالاً من بني هاشم وغيرهم قد أُخرجوا كرهاً لا حاجة لهم بقتالنا فمن لقي أحداً من بني هاشم فلا يقتله، ومن لقي أبا البَخْتَريّ بن هشام فلا يقتله ومن لقي العباس بن عبدالمطلب فلا يقتله فإنه إنما أخرج مستكرهاً). فقال أبو حذيفة بن عتبة: أنقتل آبائنا وأبناءنا وإخواننا وعشيرتنا ونترك العباس, والله لأن لقيته لألحمنه أو لألجمنه بالسيف. فبلغت رسول الله [Symbol] فقال لعمر بن الخطاب: يا أبا حفص أيضرب وجه عمِّ رسول الله بالسيف, فقال عمر: يا رسول الله دعني فلأضرب عنقة بالسيف فوالله لقد نافق.  
فكان أبو حذيفة يقول:ما أنا بآمنٍ من تلك الكلمة التي قلت يومئذٍ ولا أزال منها خائفاً. إلا أن تكفرها عني الشهادة، فقتل يوم اليمامة شهيداً. (الرحيق المختوم   ص: 246) 

12ـ الناس يحبون من يُصحح أخطائهم دون جرح مشاعرهم: 
ويُضربُ مثلٌ في ذلك في أحد الكتب: أن شخصاً ألقى خطاباً ( محاضرةً ) في عددٍ كبيرٍ، ولكنها كانت طويلةٌ وفيها تفصيلٌ، فملّ الناس, ولما عاد المحاضر إلى منزله سأل زوجته, فقال: ما رأيكِ في المحاضرة ؟ قالت: هذا الموضوع يصلح مقالةً رصيفةً في مجلةٍ علميةٍ متخصصةٍ. وقد فهم المحاضر من كلام زوجته أن الموضوع لا يصلح للمحاضرة. 
فإياك وقول: أنت لا تصلح لكذا ، أو أنت تصلح لغير ذلك . 

13ـ اكسب الجدال بأن تتجنبه:  
جاء في الحديث الصحيح: (( أنا زعيمٌ ببيتٍ في ربض الجنة لمن ترك المراء ولو كان محقاً )) 18 .     
إن حُبَّ الظهور في معظم الأحيان هو الدافع الأول إلى المجادلة, فأنت تود أن تعرض سعة اطلاعك وحُسن تنقيبك في الموضوع المطروح للجدال, ومثل هذا يُحسِّسُ الرجل الآخر الذي تجادله، فإذا قهرته بمنطقك السليم وفزت عليه، فإنه لن يعتبر ذلك إلا إهانةً منك، وجرحاً لكرامته، وهو قلّما يغفر لك ذلك. بهذا تكون قد اشتريت خصومته دون نفعٍ يصيبك من الشراء.  

14ـ ابدِ للناس اهتمامك بهم أكثر من اهتمامك بنفسك:  
الناس يحبون ذلك الإنسان الذي يهتم بهم، وبما يفكرون، وما الذي يشغل بالهم وحينما يتحدثون ينصت إلى حديثهم وينظر إليهم ويلخص ما يقولون ويناقشهم فيه. 

15ـ كُن في حاجة الناس: (مثاله: الشيخ ابن باز ـ رحمه الله ـ) 
إن الناس يُقدِّرون من يسعى في حاجتهم ويشفع لهم, والرسول[Symbol] يقول : ( أحب الناس إلى الله عز وجل أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله سرورٌ تدخله على مسلمٍ ، تكشف عنه كرباً ، أو تقضي عنه ديناً ، أو تطرد عنه جوعاً ، ولو أن تمشي مع أخيك في حاجته أحبُّ إليَّ من أن تعتكف شهراً ) . 19 
ولو أدرك العامل والموظف عظم هذا الحديث لأنهى المعاملات في وقتها.  

16ـ قدِّم خدماتٍ للآخرين قبل أن يأمروك: 
إن الناس يشيرون بالبنان لمن يعمل ويخدم ويقدم للآخرين لأنه يأسر قلوبهم بفعله, ويكفينا في ذلك قول النبي [Symbol] : ( وعليَّ جمع الحطب ) . 

17ـ نادِ الناس بأحب أسمائهم, وتعرَّف على أنسابهم: 
كان [Symbol] ينادي الناس بأحب أسمائهم, حتى الأطفال الصغار كان يكنيهم أحياناً ( يا أبا عمير ما فعل النغير ؟) وأبو عمير طفلٌ صغير .   
 "جيم فارلي" ما إن بلغ الأربعين من عمره حتى منحته أربع جامعاتٍ درجاتها الفخرية, وتم تعينه مدير البريد العام في الولايات المتحدة... فما سر نجاحه ؟؟ كان يتملك مقدرةً فائقةً على تذكُّر أسماء الناس. كان يلقى الرجل فيتعرف على اسمه الكامل, وأسماء أولاده وأهله المقربين, ويستفسر عن عمله, وميوله السياسية، ونزعاته الفكرية، ثم يختزن كل ذلك في ذاكرته حتى إذا التقى به ثانية سار الحديث بينهما وكأنه لم ينقطع عنه. فيسأله "جيم" عن أولاده وزوجته وأزهار حديقته, وفي لغة يشعر معها المسئول بقرابته الفعلية من قلب "جيم" وعواطفه. وهكذا إذا أردت أن يحبك الناس فاذكر أسماءهم لأن اسم الرجل هو من أقرب الطرق لكسبه. 
18ـ أخلق في الآخر رغبةً جامحةً في أن يفعل ما تريد منه: 
وهي أن تشعر الإنسان بمحبة الأمر حين تعطيه إياه وكان ذلك هو دأب الرسول [Symbol] فكان يشوق الناس لما يأمرهم به, فلما أراد أن يُسيّر جيشاً قال: ( لأعطين الراية غداً رجلاً يحبه الله ورسوله ) 20 فسار كلُّ فردٍ يتمنى ذلك. 
إذا أراد إنسانٌ أن يصرف شخصاً عن طبع سيئ مثلاً فمن الخطأ أن يقف موقف المرشد الناصح في الوعظ، فتِّش عن رغبةٍ يود هذا الشخص بلوغها ثم اربط تلك الغاية بالإقلاع عن هذا الطبع السيئ, وستجده ينصرف عنه فعلاً؛ طمعاً في الوصول إلى الغاية لا تأثراً بصواب رأيك ابتداءاً. (ولا يُفهم من هذا التقليل من شأن الوعظ). 

19ـ البراعة في الحديث:  
إن الناس لا يريدون منك أن تتحدث عن تجاربك وخبراتك,فلهم خبرات أيضاً,وخير مُحدِّثٍ هو من يستمع بشغفٍ إلى الآخرين، اسأل مقابلك سؤالاً ودعه يتحدث في تخصصه، بذلك يشعر بالامتنان لك وتظفر بصداقته سريعاً، إذا أتحتَ له فرصة التحدث عن تجاربه وظللت مصغياً له باهتمامٍ، إن الاستماع المشغف هو أعلى ضروب الثناء الذي يمكن أن تضفيه على محدثك فالناس يحبون من يفتح لهم المجال لتحقيق ذواتهم . 

20ـ قدّر غيرك تفز بتقديره لك: 
إن التقدير من الغير غذاءٌ للنفس كما هو الطعام للجسد، بل إن النفس أرهف حساسيةً وأحلُّ شأناً؛ قد يصوم المرء وينقطع عن الطعام والشراب، أما عن حاجته إلى تقدير الغير له فلن يستطيع. إذاً... لماذا لا ندع الآخرين يختزنون في ذاكرتهم أنغاماً حلوةً وكلماتٍ محببةٍ عن تقديرنا لهم وشعورنا بأهميتهم ؟ . 
21ـ تكلم فيما تظن أنه يسر محدثك: 
إذا أردت إدخال السرور إلى قلوب الناس حدِّثهم فيما تظنهم يودون الاستماع إليه أولاً، وبذلك تستدرجهم إلى التحدث, والحديث الشيِّق اللذيذ فتصغي إليهم بشغف، ويعتبرونك محدثاً بارعاً تستطيع جلب مسرتهم. 

22ـ امتدح الناس فيما يجيدونه: 
اختر شيئاً جميلاً فيهم وحدثهم عنه ولن تُعدمَ ذلك الشيء الجميل. فالناس يختلفون ويتفاوتون، ولكنه لا يمكن إلا أن تجد شيئاً جميلاً في كل فردٍ منهم, فالناس يحبون أن تمدح الناحية الجميلة فيهم. 

23ـ الناس يحبون الشكر والتشجيع:  
وإن كان الأصل في المسلم أنه يعمل العمل ابتغاء رضا الله ولا ينتظر شكر الناس، ولكن ذلك طبعٌ في البشر وذلك لا بأس منه شرعاً. روى أحمد والترمذي: (( من لم يشكر الناس لا يشكره الله )) 21 .وكذلك قوله [Symbol] :(( اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة ، فأكرم الأنصار والمهاجرة )) 22 .وكذلك حديث: (( من صنع إليكم معروفاً فكافئوه... )) الحديث. 

  •  ( التشجيع يسر الآخرين ): 
في روايةٍ أن سعد بن معاذ [Symbol] قال لرسول الله [Symbol] : (لعلك تخشى أن تكون الأنصار ترى حقاً عليها ألا تنصرك إلا في ديارهم, وإني أقول عن الأنصار وأجيب عنهم, فأضعن حيث شئت ، وصِل حبل من شئت ، واقطع حبل من شئت ، وخُذ من أموالنا ما شئت, واعطنا ما شئت, وما أخذت منا كان أحبَّ إلينا مما تركت, وما أمرت فيه من أمرٍ فأمرنا تبعٌ لأمرك, فوالله لئن سرت حتى تبلغ البَركَ من غمدان لنسيرنّ معك, و والله لئن استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك). فسُرَّ رسول الله [Symbol] بقول سعدٍ ونشطّه ذلك, ثم قال:(سيروا و أبشروا فإن الله تعالى قد وعدني إحدى الطائفتين) . (الرحيق المختوم     ص:232) 

24ـ ابتسم للناس, يبتسمون لك : 
إن قسمات الوجه خيرُ معبِّرٍ عن مشاعر صاحبه, فالوجه الصبوح ذو الابتسامة الطبيعية الصادقة خير وسيلةٍ لكسب الصداقة والتعاون مع الآخرين، قال [Symbol] في الحث على البشر والتلاطف: (( تبسمك في وجه أخيك لك صدقة ))23  

25ـ تهادوا تحابوا: 
الهدية قد تكون بسيطةً جداً في قيمتها ولكنها تُدخل سروراً وتُظهر مدى الاهتمامِ بالمهدى إليه, ففي حديث أبي هريرة[Symbol]  عن المصطفى [Symbol] :((تهادوا تحابوا)) . 24  

26ـ دع الغير يظنُ أن الفكرة هي فكرته: 
إذا أردت أن تكسب روح التعاون عند الآخرين فاجعل الشخص الآخر يحس أن الفكرة هي فكرته ؛ فالرجل العاقل إذا أراد أن بتصدر الناس جعل نَفْسَه خلفهم . 

27ـ تفهَّم عواطف الآخرين، واستثر عواطفهم النبيلة: 
كما أن لك عاطفة تسوقك في كثيرٍ من الأحيان إلى اتخاذ موقفٍ معينٍ، أو تبني رأيٍ خاصٍ, فإن للآخرين عواطف أيضاً، وكما يسرك بأن يراعي الآخرين عاطفتك، فإنهم يسرهم أن تراعي عواطفهم بنفس المقدار. 
مهما بدا الناس عتاةً قساةَ القلوب أو لامنطقيين، فإن طبيعتهم الإنسانية هي التي تسود آخر الأمر، إنهم ضعفاء، إنهم يطلبون التعاطف معهم بل والعطف عليهم فإذا قلت لمحدثك:إني لا أوجه إليك اللومَ، إذ إنني سأفعل مثل ما فعلت، لو كنتُ مكانك. فإن هذا كفيلٌ بضمان انجذابه إلى جانبك، واستلالِ كل حقدٍ أو تصورٍ كان من الممكن أن ينشأ بينكما، إذا كنتما مختلفين على أمرٍ من الأمور. 
إن استثارة العواطف النبيلة في قلوب الآخرين طريقةٌ ناجحةٌ تماماً في كسب الناس إلى وجهة نظرك، كما أنها لن تؤدي إلى مضرَّةٍ لو قُدِّر لها الفشل. 

وخـتـامـاً:      
ليس المقصود من هذا البحث أن تلُّمَ ببعض الحقائق العامة حول السلوك الإنساني، بل إن التطبيق العملي لتلك الحقائق والأساليب هو ما أبتغيه من كتابة البحث. 
ولكن لمّا كان اكتساب العادة صعباً، نظل في حاجةٍ إلى يقظةٍ ذاتيةٍ ومحاسبةٍ دائمةٍ فاجعل من نفسك رقيباً على نفسك ، وجاهد نفسك ألا تميل مع التخاذل, وطبِّق ذلك مع أبيك, وأمك، وإخوانك، وأقربائك, وأصدقائك ؛ لأنهم ألصقُ الناس بك ومن ثم تتحول هذه الحقائق والأساليب إلى مهاراتٍ اجتماعيةٍ عملية . 
هذا والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه والتابعين. 
  

Text Box 





Page Break.: مراجع استُفيد منها: 
  • فن التعامل مع الناس. د . عبد الله الخاطر ـ رحمه الله ـ 
  • كلماتٌ في التعامل. عبد الرحمن عبد الله اللعبون  
  • كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر في الناس؟ (مُترجَم).دايل كارنيجي 
  • الرحيق المختوم.صفي الرحمن المباركفوري  
  • أساليب وتجارب استقيتها من أفواه بعض المربين، وتوجيهاتهم. 



مع تحيات 
عبدالرحمن بن فؤاد الجارالله 

ص.ب:9191ـ الرياض  11413 




الفراسة والخداع، الخوارق والسنن، والخرافات والأساطير



د. خالد عبدالله الخميس

من كتاب "من كل فن قطرة ومن كل علم فقرة".

 هل الفراسة علم أم إلهام؟. هل تفسير الأحلام مقصور على أفراد دون غيرهم؟ كيف يمكن لمن أكتسب حضوه عند الناس أن يستغلها في مصالحه؟. كيف تتحول الخرافة إلى فكرة مقنعة يمكن تصديقها؟. كيف تكون الخرافة مزرعة لتفريخ الأساطير؟.  كيف يحول الناس الخرافات إلى خوارق؟. لماذا يلجئ الناس لموضوع الخوارق في ترسيخ الإيمان؟. كيف ينشأ جيل تربى على البحث عن الخوارق؟. لماذا لا تسمى القوانين الكونية بالسنن الإلهية؟.  منهج القرآن في الدلائل الإيمانية هل يرتكز على الخوارق أم السنن الإلهية؟. في هذا المقالة سنحاول الإجابة على ما سبق وسنبحر في مفهوم الفراسة والخداع والشعوذة وفي تحديد الخرافة والأسطورة ونخوض في الخوارق والمعجزات. وقبل هذا وذلك سنحاول أن نحرر تلك المصطلحات ونوضح العلاقة بينها. 




فراسة أم خداع  أم شعوذة:نسمع كثيراً إن شخص ما قد ألهم موهبةً في قص الأثر أو موهبةً في تفسير الأحلام، ويقال أيضاً أن تلك الموهبة لا يماثله فيها أحد، ولا يمكن أن ينازعه عليها أحد. عندما يقال هذا الكلام  فإن معناه لا يعدوا أحداً من أمرين: أما أن الله أختار هذا الشخص لمزية فيه بين سائر البشر وخصه بين سائر البشر بعلم خاص، وهذا هو مقام الأنبياء. أو أن هذا الشخص أكتسب العلم اكتساباً من دراساته وتأملاته الخاصة لكن هذا العلم الذي لديه يمكن للآخرين أن يكتسبوه. الشائع عند الناس أن الفراسة وتفسير الأحلام علوم لا يبلغها إلا أفراد محددين ولا يمكن لتلك العلوم أن تكون شائعة عند الناس وذلك لعدم إمكانية إخضاعها للتقعيد ووضع قوانين مفهومة لها. هب أن شخصاً يستطيع أن يقتفي الأثر ويستطيع أن يدرك من خلال رؤيته للخطى والأثر أن يحدد شخصية صاحب ذلك الأثر فيما إذا كان ذكراً  أو أنثى، كبير أو صغير، أعمى أو أعور، سليم أو سقيم. هل هذا يقودنا للاستنتاج بأن هذا الشخص الموهوب قد نال إلهاماً فوق طاقة البشر.


لقد وجد من يقول بهذا القول فظنوا أن المقدرة على قص الأثر هي قدرة لا يصل إليها إلا فئة محددة من البشر ينتمون إلى القبيلة المشهورة آل مرة.  وأصبح مصطلح المريّ كلمة ترادف القدرة على قص الأثر.



ربما الكثير يستطيع أن يميز العرق الأوربي عن العرق العربي عن العرق الهندي عن العرق الصيني عن العرق الإفريقي. ومن خلال العرق الواحد كالعربي نستطيع أن نميز موطنه فيما إذا كان مصري أو سوري أو فلسطيني أو يمني أو سعودي. ومن خلال المواطنة نستطيع أن نميز منطقته فيما إذا كان من الشمال أو الجنوب أو الحجاز أو من نجد. ومن خلال المنطقة الوحدة تستطيع أن تبين موضع المدينة أو القرية والقبيلة والفخذ الذي ينتمي إليه. وقد يستطيع أحد أن يدعي أن له القدرة على تميز الناس بصورة أكثر تحديداً عندما يقوم بتحديد الأسرة التي ينتمي إليها شخص ما. إن هذه القدرة ممكن أن تكون لكنها في الواقع  لم تأتي من فراغ أو من إلهام. والحاصل أن الشخص عندما يكون لديه المقدرة على تمييز الأفراد وتصنيفهم بصورة دقيقة فإن هذا المقدرة لم تأت من قوى خارقة بل من خلال إمعان النظر في مجموعة من المثيرات والمدللات cues والتي  تسهم في تصنيف الأشياء والأشخاص بشكل دقيق. 



لو حق لأحد أن يدعي خصوصية الفراسة والإلهام فليس هناك أجدر من الطبيب أن يدعيها لنفسه. فيستطيع أن يتصفح وجهك ويخبرك بما تعاني منه من أمراض ويخبرك بنوع المأكل والمشرب الذي تناولته. ويرشدك لأفضل الأدوية التي تعالج حالتك. وحيث أن الطب علم مقعد وله قوانينه لذا فإنه خرج دائرة الإلهام إلى دائرة التقعيدأن تعذر استخراج القواعد من الموهبة هو ما يضفي على الموهبة رداء الإجلال والتعظيم والخصوصية. لكن جميع العلوم مهما كانت صعوبتها فإن لها أصول تقعيدية.



ولكي يحافظ الملهم كما يزعم عن نفسه على جاهه ووجاهته فإنه لا يحرص على أن يطلع الناس على مكمون تلك القواعد التي بنى عليها فراسته.  بل إنه ينفي وجود قواعد ضابطة لعلمه ويعتبر تلك القدرة من الإلهام الذي وهبه الله دون غيره. وقد يدعي بعلم الغيب وقدرة الكشف عن المستور أو يدعي لنفسه انه يمتلك قدرات فوق بشرية وهو كذاب أشر، إذ يستخدمون الخدع والحيل التي يوهمون من حولهم بأن لهم حضوه ومكانة وعلم لا يبلغه أحد.



وبالمختصر المفيد أن الفراسة وأساليب الحيل عندما تقعد قوانينها تخرج من كونها مختصة بفئة معينة إلى كونها معلومات عامة يمكن لعامة الناس إدراكها وعملها. لكن ما يجعلهم لا يقعدون ذلك هو خوفهم من سحب البساط منهم ويصبحوا والناس سواء.   الخرافة والأسطورة يمكن تعريف الخرافة على أنها الاعتقاد بوجود ظاهرة محيرة يستحيل تكونها أو أن تلك الظاهرة موجودة بالفعل لكن تفسير الناس لها أعطاها غطاء محير.  ووجود خرافة معينة مجال كبير لنسج الأساطير والحكاوي الكاذبة، ولذا فإن الخرافة هي منبع الأساطير والحواديث الخيالية.



كنا ونحن أطفال نذهب للجبل ونردد بصوت ملحون " بنت الجبل تبين قريص وإلا جعل". وحيث أن الجبل يعكس الصوت فيحدث الصدى وعندما ننتهي من الجملة نسمع الكلمة "جعل" وهي آخر ما تبقي من الصدى. ولا أخفيكم أنني على الرغم من تأكدي أن هذا الصوت هو صدى صوتي إلا أن من يحيط بي من الأطفال والكبار وقت ذاك يميلون للتصديق بأن هذا هو صوت لبنت محجوزة في الجبل. فأجدني أمام هذا التوجه العام مجبراً لتصديق هذه الخرافة.  



خذ مثلاً آخر لخرافة نسجت بسببها أساطير متعددة: هناك جبل معروف بالقرب من أحد القرى وهذا الجبل يصدر في بعض الأحيان أصواتاً يسمعها سكان القرية فيحكون أن فتاة ذهبت لهذا الجبل فأخذها الجني الذي يسكنه وتزوجها ويحكى أن شخصاً ذهب لذلك الجبل فقتله الجني صاحب الجبل. وقصص كثيرة وحدث ولا حرج من حكاوي وأساطير فليس هناك من ينقب أو يسأل أو يكذب.ولقد وجد أن ظاهرة خروج الأصوات من مصدر الجبل موجودة بالفعل وبعد التحري وجد أن في الجبل فتحات يدخل الهواء إليها من جهة ويخرج من جهة أخرى.  وعندما تهب الرياح من زاوية معينة يخرج صوت صفير له دوي.  وهكذا يسمع أهل القرية هذا الصوت غير الطبيعي ويظنونه صوت يتكلم. وهذا الصوت المجهول كان بذرة لنشأة هذه الخرافة.  



الإعجاز والخوارق والسنن.كانت معجزات الأنبياء قبل بعثة الحبيب المصطفى –صلى الله عليه وسلم- ترتكز على الخوارق، فنعلم أن موسى عليه السلام كانت معجزته تتمثل في العصا والتسع آيات الأخر ومعجزة عيسى تتمثل في إبراءه للأكمة والأبرص وإحياء الموتى ومعجزة ثمود تتمثل في الناقة. أما النبي محمد صلى الله عليه وسلم فلم تكن معجزته الرئيسة تعتمد على الخوارق بقدر ما كانت تعتمد على إمعان النظر في الظواهر الكونية التي صاغها لنا القرآن المعجز.  



كثير من الوعاظ اليوم يحولون جوانب من المظاهر الطبيعية إلى خوارق كي يستميلوا قلوب الناس للإيمان. وكأن الإيمان لا يزيد إلا بحصول الخوارق، وأن الخوارق هي المصدر الوحيد للإقناع والإعجاز الإلهي. الأمثلة كثيرة لكنني سأورد مثالاً على ذلك: يقال مثلاً إن الله ألهم النمل المقدرة على التعرف على الطرق التي توصله إلى مخبئه دون أن يضل. 



ويصف بعض الوعاظ الكيفية التي يتعرف فيها النمل على دروبه بأنها سر من الأسرار الإلهية التي لا تخضع لعلم الإنسان وتقع في حوزة المجهول، ويستدل على أن هذه الكيفية التي نجهلها من الدلائل الواضحة على وجود الله وإعجازه سبحانه ويصف هذا الأمر على أنه شئ من الغيب ومن الأسرار التي لا يعلمها إلا الله.


لعلنا هنا نتوقف قليلاً عند هذه النقطة ونعاود مناقشتها.  أقول لو خرجت دراسة علمية تفسر سبب هذه الظاهرة وتفسر الكيفية التي تعرف النمل على مساراته، كما حصل بالفعل من وجود دراسة أثبتت وجود مواد كيميائية تسمى بالفرمونات تفرز من قبل النملة لكي يتعرف على رائحته مجموعة النمل فيمشى النمل حسب المسار الذي به الرائحة. إنه عندما يدعي واعظ من الوعاظ بأن ظاهر تتابع النمل مجرد إلهام من الله سبحانه وتعالى وسر من أسراره فإننا نقع في فخ التناقض عندما تأتي أبحاث تكشف سر المجهول. وهذا التسرع في حكم الواعظ قد يفضي إلى زعزعة إيمان من حوله.  وكأن الأمر الذي كان إعجازاً في فترة زمنية مضت لم يعد صالحاً ومقبولاً لأن يكون إعجازاً بعد معرفة السر. لذا فإن الاستعجال في ربط الكشوفات الحديثة بالإعجاز الإيماني يوقع في مزلق كبير.  





والحقيقة أن هذه الأبحاث التي أعطت تفسراً مادياً لسبب تتابع النمل لا تلغي حقيقة الإعجاز. أن الاستنتاج الذي يجب أن نخرج به هو أنه عندما نتعرف على فك السر الذي كان مجهولاً فإن هذا لا يتعارض مع إعجاز الله الخلقي. فالإعجاز ليس شرطاً أن يقع في وجود شي خارق ومجهول.  بل أن الإعجاز الإلهي يكمن من خلال تأمل القانون الطبيعي. أن نظام الفرمونات الذي يعرف الحشرات على مساراتها قانون من قوانين الله التي بموجبه تتعرف النملة على مخبئها. وهذا القانون بحد ذاته معجزة ودلالة على قدرة الله سبحانه.  ويعتبر البعض خطئاً انه عند حصول ظاهرة معينة ليس لها تفسير علمي ظاهر فإن هذه الظاهرة المجهولة تعتبر صيدأً ثميناً للدلالة على موضوع الإعجاز، بينما تعتبر الظواهر المعروفة الأسباب المادية على أنها بيانات لا تخدم موضوع  الإعجاز.وبالجملة، فإن الأعجاز لا يتم في غياب القانون بل إن القانون ذاته هو دليل على الأعجاز. وهذا أمر واضح عند تأمل الكثير من الآيات القرآنية، فتجد في القرآن الكريم آيات كثيرة ترشد إلى التأمل في القوانين الكونية والتأمل في مخلوقات الله والتأمل في النظام البديع الذي يسير عليه الكون وتنتظم الحياة.




تعالوا بنا نقتطف من آيات القران الحكيم طريقته المثلى للمحاجة مع النفس البشرية وكيف أن التأمل في القوانين الطبيعة هو ما يستدل به على وجود الله ووحدانيته. "إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْـزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُون. البقرة .164". "أولم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السماوات والأرض وما بينها إلا بالحق .الروم .8"."أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّة .فاطر .44".ً"قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْق .العنكبوت .20". " انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِه .الأنعام .99"ِ.



"أولم ير الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقاً ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شي حي أفلا يؤمنون . * وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم وجعلنا فجاجاً سبلاً لعلهم يهتدون * وجعلنا السماء سقفاً محفوظاً وهم عن آياتها معرضون * وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون .الأنبياء .30-35"عندما نتأمل الدعوات التالية (أنظروا..،  أولم يسيروا..., قل  سيروا..., أولم يتفكروا...) فهي دعوات من الله سبحانه وتعالى للتأمل في السنن الكونية الظاهرة الواضحة للعيان. فالله سبحانه أمر بالتدبر فيها والنظر في القوانين التي تنظمها والتي هي من صنعه تعالى. لم تكن الدلائل على أشياء خافيه للعيان لا يراها إلا أفراد محددون أو خوارق لطبيعة القوانين الكونية بل كان لفت الانتباه لتلك القوانين وذلك النظام البديع في الكون والحياة الذي يشهد بعظمة خالقه وموجده. أن الخوارق أثناء وقوعها لا يرها إلا أفراد محددون كانوا موجودين وقت نزول تلك الخارقة، أما السنن الكونية فهي متاحة على الدوام.   


 كثير من المتحمسين اليوم يصاب بخيبة أمل عندما يكتشف تفسير ظاهرة كونية أو حيوية كانت في الماضي في عالم المجاهيل والتي كانوا يستندون بها على أنها من المعجزات. فكأن التفاسير الجديدة للظواهر تحدث تشويشاً لقناعات سابقة من أن هذا الأمر الذي كان خارقاً لم يعد يصلح للاستدلال به في موضوع الإعجاز. واللافت للنظر أن الآيات القرآنية تدعوا للتفكر في السنن الإلهية والقوانين الكونية والأنظمة الحيوية كبوابات أساسية للبراهين الإيمانية.قال الشاعر السوداني إبراهيم بديوي رحمه الله في قصيده رائعة المعاني والإيقاع: قل للطبيب تخطفته يد الردى *** يا شافي الأمراض : من أرداكا؟قل للمريض نجا وعوفي بعد ما *** عجزت فنون الطب : من عافاكا؟قل للصحيح يموت لا من علة *** من بالمنايا ياصحيح دهاكا؟قل للبصير وكان يحذر حفرة ***فهوى بها من ذا الذي أهواكا؟بل سائل الأعمى خطا بين الزَّحام *** بلا اصطدام : من يقود خطاكا؟قل للجنين يعيش معزولا بلا *** راع ومرعى : مالذي يرعاكا؟قل للوليد بكى وأجهش بالبكاء *** لدى الولادة : مالذي أبكاكا؟وإذا ترى الثعبان ينفث سمه *** فاسأله : من ذا بالسموم حشاكا؟وأسأله كيف تعيش ياثعبان أو *** تحيا وهذا السم يملأ فاكا؟وأسأل بطون النحل كيف تقاطرت ***شهداً وقل للشهد من حلاَّكا؟بل سائل اللبن المصفى كان بين *** دم وفرث مالذي صفاكا؟وإذا رأيت الحي يخرج من حنايا *** ميت فاسأله: من أحياكا؟وإذا ترى ابن السودِ أبيضَ ناصعاً *** فاسأله : مِنْ أين البياضُ أتاكا؟وإذا ترى ابن البيضِ أسودَ فاحماً *** فاسأله: منْ ذا بالسواد طلاكا؟قل للنبات يجف بعد تعهد *** ورعاية : من بالجفاف رماكا؟وإذا رأيت النبت في الصحراء يربو *** وحده فاسأله : من أرباكا؟وإذا رأيت البدر يسري ناشرا *** أنواره فاسأله : من أسراكا؟وأسأل شعاع الشمس يدنو وهي أبعد *** كلّ شيء مالذي أدناكا؟قل للمرير من الثمار من الذي *** بالمر من دون الثمار غذاكا؟وإذا رأيت النخل مشقوق النوى *** فاسأله : من يا نخل شق نواكا؟وإذا رأيت النار شب لهيبها *** فاسأل لهيب النار: من أوراكا؟وإذا ترى الجبل الأشم منا طحاً *** قمم السحاب فسله من أرساكا؟وإذا رأيت النهر بالعذب الزلال *** جرى فسله؟ من الذي أجراكا؟وإذا رأيت البحر بالملح الأجاج *** طغى فسله: من الذي أطغاكا؟وإذا رأيت الليل يغشى داجيا *** فاسأله : من ياليل حاك دجاكا؟وإذا رأيت الصبح يُسفر ضاحياً *** فاسأله: من ياصبح صاغ ضحاكا؟هذي عجائب طالما أخذت بها *** عيناك وانفتحت بها أذناكا!والله في كل العجائب ماثل *** إن لم تكن لتراه فهو يراكا؟يا أيها الإنسان مهلا مالذي *** بالله جل جلاله أغراكا؟



هذه القصيدة الرائعة المعاني الرائعة الإيقاع تسوق كثيراً من المظاهر الكونية والعمليات الحيوية ولك أن تقف مع تلك الأبيات محلقاً ومتدبراً للمعاني. لكننا لو أردنا أن نقف وقفة تحليلية لمكنونات الاستفهامات المعروضة في جملة من الأبيات التي أتى عليها الشاعر، فإننا سنجد أن الشاعر ذكر بعض الظواهر على أنها خوارق وأسرار لا يعلمها إلا الله. والحقيقة التي يجب أن تقال أن تلك الظواهر لها تفسيرات علمية مادية.  وبالرغم من ذلك فهذا لا يعنى أن معرفة التفسيرات التجريبية تقود إلى كسر مسألة الإعجاز لأن ما تم معرفته هو كيفية عمل تلك الأشياء والقانون المنظم لها, ولكن يبقى أن هذا القانون المنظم هو ما يستدل به على الإيمان.



وتأكيداً لما سبق فأن التدبر في نظام تلك المظاهر هو مكمن الأعجاز،  وليس من الشرط أن يتحقق الإعجاز في ظل ظاهرة مخفية الأسباب مجهولة المعالم.  إن الأسرار ليست هي بذاتها مكمن الإعجاز بل إن الإعجاز يكمن في ظل وجود القانون الظاهر المشاهد. وهذا القانون المشاهد هو ما يجب تسميته بالسنن الإلهية. فالسؤال الذي يحول تلك الظاهرة إلى دليل إيماني هو التساؤل حول من وضع تلك القوانين المنضبطة والمتسقة فيما بينها؟.  فلا يمكن أن تأتي تلك القوانين اعتباطا.  أن هذا التساؤل هو ما يحول الكشف في تلك القوانين إلى  مادة تأملية تدعوا للإيمان بأن الله أحسن كل شي خلقه. في السنوات القليلة لماضية خرجت نظرية شاعت في الغرب بعنوان التصميم الذكي Intelligent design تؤكد على أن نظام الكون والحياة مدعاة للتأمل وأن مجموعة القوانين التي تنظمه لم تأتي من فراغ بل من تقرير خالق واحد. هذه النظرية جاءت كرد على من يدعي باطلاً بأن القوانين  الطبيعية جاءت بمحض الصدفة وليس من تدبير الخالق.




الإشاعات والخرافات والخوارق  كثير من الأحيان عندما يريد بعض الواعظ أن يستثير الدوافع الإيمانية لعامة الناس فإنه يلجئ للحديث عن قصة أو حدث يحكي خارقة من الخوارق. وكثيراً ما تكون الخارقة خرافة أو قصة مختلقة.


لعلي هنا أن أسرد خمس من القصص والأحداث التي تدار بين الناس على اعتبار أنها من الخوارق وهي ليست كذلك.سمعت بنفسي قصة لرجل يستهزئ بالأذان - نعوذ بالله من ذلك- وعندما مات هذا الشخص قيل أن رأسه تحول إلى رأس حمار. وقد قيل إن الذي لا يصدق هذا الحدث فليسأل مؤذن المسجد الموجود بالحي الفلاني. وانتشرت تلك القصة بين جموع الناس بشكل سريع ومع قرب المسجد إلا أن أحداً لم يكلف نفسه مسألة التأكد. ولكن عند الرجوع لمؤذن المسجد الذي قالوا عنه تبين أن القصة ليست صحيحة.سمعت أيضاً بقصة لامرأة استهزأت برجل صالح وقيل إنها قالت كلمات تتحدى الله فيها، فعاقبها الله في الحال وجاءتها صيحة ماتت في الحال. وكانت هذه الحادثة غير صحيحة. 



وسمعت بقصة أخرى كان تفسيرها أن جني لا يتكلم العربية دخل في امرأة ثم اسلم. وبالرغم من إن الحادثة وقعت إلا أن تفسيرها لم يكن صحيحاً. فلقد ذكر أن المرأة لا تحسن إطلاقاً لغة الفلبين وأن الجني الفلبيني –زعموا- قد تكلم على لسانها وأخذ العهد من الشيخ بأن لا يعود وأنه سيسلم. إلا أنه بعد قليل من التحري تبين أن المرأة هذه لديها سابقة بالحديث عن تلك اللغة  وأنها بعد معافاتها ضحكت عما أشيع عنها بل إنها تباهت بأنها استطاعت تضليل الآخرين. 



بعد حادثة تسونامي أشيع أن هناك أعداد غفيرة من المجانين في مستشفى الأمراض النفسية بشهار في الطائف قد خرجوا من المستشفى بسبب أنهم تعافوا. وكان التفسير في هذا الحدث أن هناك مجاميع من العقد السحرية  موجودة في دولة اندونيسيا وأن تلك العقد تفككت بعد حصول الفيضان. وبعد السؤال والتحري خرج تكذيب من إدارة المستشفى نشر في الصحف عن ما أثير. الغريب في الأمر أنه بالرغم من تكذيب إدارة المستشفى فلا زال الناس مصدقين بتلك الكذبة.  


بعد التعدي على حرمة رسولنا الحبيب محمد -صلى الله عليه وسلم- في صحافة الدينماركظهرت في بعض منتديات  الشبكة العنكبوتية صور لشارع قد انخسف. وكان التعليق على الصورة بأن هذا خسف من الله بسبب تعديهم على نبينا. وروجت تلك الصور في منتديات أخرى بدعوى عقاب الله لتلك الأمم. لكن عند التحري وجد أن الصورة أساساً لأحد الشوارع في دولة كندا وأن هذه الصور سبقت حادثة التعدي على حرمة الحبيب المصطفى بزمن. 



هذه القصص وأمثالها كثير وكثير، إلا أن البعض عندما يتحدث بها فإن الحماس يأخذ به إلى التصديق بأحداثها دون تردد. فتسمعه مثلاً يقول: أن من نقل تلك القصة شخص ثقة أو صادق أو لا أشك فيه أو أن هذه القصة وقعت لأبن جيران أو قريب لنا. وهكذا تلبس الإشاعة رونقاً جميلاً لا تدع مجالاً للمستمع أن يشكك في ثبوتها. وللأسف الشديد أنك عندما تتحدث عن بطلان تلك القصة فإن هناك فئة تتهمك بأنك لا تؤمن بقدرة الله وأنك .. . والفئة الأخرى تصاب الناس بخيبة أمل عندما تعرف الحقيقة لأن هذه الأحداث كانت مما يقوي إيمانهم. الحاصل أننا يجب أن نسعى للتدقيق في القصص الخارقة ولا نجري خلف الإشاعات دون تحري وتثبت.



إن المتأمل لحوار كفار قريش مع النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- يستنتج أن الكفار كانت لديهم نزعة عالية لطلب نزول مستمر للمعجزات والخوارق المادية كما قال الله عنهم (وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا ينبوعا * أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتاباً نقرؤه قل سبحان ربي هل كنت إلا بشراً رسولا .الإسراء .93). 


إن النزعة لجعل الخوارق هي المصدر الوحيد للإيمان والاقتناع هي نزعة ممقوتة بنص القرآن. لقد كانت نزول خوارق الأنبياء أمراً فاصلاً بين العذاب والرحمة، وبين الإيمان والكفر، كما حكى الله عن معجزة ثمود (وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها وما نرسل بالآيات إلا تخويفا .الإسراء .59). أن ما يتميز به الدين الإسلامي أن خطابه خطاب عقلي يدعوا للعقل والنظر والتفكر في الآيات الظاهرات.



أخير أود أن أتساءل إلى متى نلهث خلف الأحداث والمشاهد الخارقة، وإلى متى نربي أجيالنا على أن مصدر الإيمان هو القصص الخارقة، رغم أن في المشاهد المعاينة الدليل القاطع على وحدانية الله سبحانه.